إبستمولوجيا

الفرق بين علم الاجتماع والفلسفة الاجتماعية

عبد الرحيم بودلال
موقع: علم الاجتماع المغربي

تاريخيا فإن العلوم الاجتماعية والإنسانية انفصلت عن الفلسفة، وأصبحت مستقلة عنها، رغم الدور الكبير الذي لعبته الفلسفة في التأسيس لهذه العلوم. لقد حاولت النزعة البنيوية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر أن تحدث نوعاً من القطيعة بين الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، حيث سعت لاستبدال مجال الفلسفة بمجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، كون هذه الأخيرة هي الوحيدة من يمكن له دراسة الانسان والمجتمع دراسة موضوعية.

 حقق علم الاجتماع القطيعة مع الفلسفة ابتداء مع دوركايم الذي وضع أولى مناهج البحث العلمي، والذي أقام جدالا واسعا مع الفلاسفة من أمثال هيوم وكانط وهيجل، كما تبنى بعض نظريات أوجيست كونط وباشلار. لقد خاض معركة طويلة مع الفلسفة وعلم النفس واعتبر علم الاجتماع هو من يمكن له دراسة الاجتماعي بما هو اجتماعي ودراسة الظاهرة الاجتماعية comme chose.

بينما تدرس فلسفة العلوم الاجتماعية، أو الإبستيمولوجيا كما في التقليد الفلسفي الفرنسي المبادئ والأسس المنهجية التي تقوم عليها العلوم الإنسانية والاجتماعية، هي الدرس النقدي لمبادئ هذه العلوم وفرضياتها ونتائجها، من ذلك بالبحث في الفرق بين التفسير والفهم والفرق بين مناهج وبين تقنيات البحث العلمي، والفرق بين العلوم الاجتماعية والعلوم الحقة. إلا أنها تركز أيضا على ما هو اجتماعي، وما يطرحه هذا المفهوم من مشكلات معرفية وأيديولوجية، حيث تأسيس كفرع مستقل على يد مدرسة فرانكفورت بداية مع هوركهايمر وأدورنو ثم هابرماس وأكسيل هونيث. فهي بالإضافة إلى أنها تفكير أنطولوجي في قضايا المجتمع ومعاييرها، إلا أنها تعتمد الجانب الأمبريقي وما توصل إليه علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس في دراسة الظواهر الاجتماعية والانسانية، فهي ليست فلسفة تأملية محضة بل فلسفة واقعية.

إلا أن الفلسفة الاجتماعية وبتأثير من مدرسة فراكفورت اهتمت بالمشاكل والباثولوجيا و الاغتراب المجتمعي الذي أنتجه العقل الأداتي، بذلك تخالف علم الاجتماع بكونه علم حيادي وضعي، فهي فلسفة تدخلية أكثر تعالج قضايا المجتمع وفق تصور ماركسي معاصر. عكس الفلسفة الأخلاقية التي تهتم بالخير والشر اهتماما مجردا بعيدا عن تحليل وفهم الواقع الاجتماعي.

إن كان علم الاجتماع، والعلوم الاجتماعية عموما تميزت بجانبها التقني والوصفي، فإن الفلسفة الاجتماعية تتميز بمقاربتها الأخلاقية للمسألة الاجتماعية، وعلى رأس هذه المقاربة موضوع العدالة في علاقته بأشكال الظلم أو الجور، سواء تعلق الأمر بالأفراد أم بالجماعات أم بالمؤسسات، فهي محملة بالمفاهيم النقدية عن المجتمع الليبرالي التي هي وليدة الفلسفة، من ذلك التشيؤ والتسليع والاغتراب. هي فلسفة لازالت مرتبطة بفلسفة التنوير من أجل نزع كل أشكال الهيمنة على المجتمع.

من هنا يمكننا القول إن الفلسفة الاجتماعية هي محاولة لتجديد العلاقة بين العلوم الاجتماعية والإنسانية وبين الفلسفة، من أجل استحضار الحس النقدي في دراسة القضايا المجتمعية وتجاوز القراءات المعيارية. حيث العلوم الإنسانية والاجتماعية تقوم على رؤية منهجية محكمة، عمادها الوصف والتفسير في محاولتها لتحقيق الموضوعية، هو ما يفقدها البعد النقدي المبني على التأمل وأخذ مسافة أخلاقية من الظاهرة الانسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى