الديمقراطية والانتقال الديمقراطي في العالم العربي

عبد الرحيم بودلال: باحث في علم الاجتماع
قيم الديمقراطية
سأخصص المقال الأول للحديث عن مفهوم الديمقراطية والقيم المتعلق بها، ومقالات أخرى للحديث عن مؤسسات الديمقراطية وأنواعها، وسياقها ومنسوبها في العالم العربي، وعلاقة الاجتماعي بالسياسي في تحقيق الديمقراطية، وهل الديمقراطية ثقافة النخب أم ثقافة الجماهير؟ ثم نظريات الانتقال الديمقراطي.
بدأت الديمقراطية كمفهوم مع الفلاسفة اليونانيين وتم تطبيق بعض قيمها وآلياتها في مدينة أثينا، حيث كان نصف سكانها من الذكور لهم حق التصويت، كانوا أحراراً في التصويت والاختيار والتحدث في الجمعية العمومية، بغض النظر عن درجة فقرهم وطبقتهم الاجتماعية. كانت بعض القرارات يتم التصويت عنها مباشرة، وبعضها يتم تمثيل الشعب عبر نواب منتخبين.
أما في النظرية الحديثة فقد ظهرت بوادر الديمقراطية في القرن السابع عشر في سياق النهضة الأوروبية، حيث تحالفت الطبقة البرجوازية الصاعدة مع الجماهير ضد تحالف نظام الملكة المطلقة والكنسية وطبقة الاقطاعيين من كبار ملاك الأرض، فأفرزت أفكاراً جديدة تحد من سلطة المَلك وترفض فكرة “الحق الإلهي” في الحكم، واعترضت على تدخل الكنسية في الشؤون السياسية، ودعت الى القضاء على امتيازات النبلاء والطبقة الإقطاعية.
لتتطور الديمقراطية بعد ذلك مع فلاسفة العقد الاجتماعي في شكل نظام متكامل من القيم والآيات والمؤسسات، خصوصاً ما كتبه الفلاسفة جون لوك وجون جانك روسو ومونتسكيو، لتستقر بعد ذلك حسب الظروف والسياقات القويمة في ديمقراطيات متعددة، تختلف باختلاف التجارب والبلدان واختلاف النظريات السياسية المؤطرة.
إذن فالديمقراطية تعبير عن مصالح المواطن العادي الذي له حرية اختيار المسؤولين ومحاسبتهم في كل استحقاق عبر القنوات المؤسساتية بطرق سلمية مشروعة. حيث يعرفها إبراهام لينكولن الرئيس الأمريكي السابق: هي حكم الشعب بواسطة الشعب ولمصلحة الشعب.
كما تسمح بتعزيز المشاركة السياسية وخلق الوعي بالمصالح المشتركة. فهي ليس تدبير الاختلاف على مستوى أعلى فقط، بل أيضا توفير الحياة الكريمة والحرية والظروف الملائمة لدمقرطة شاملة. كما تكرس قيم الالتزام والقيام بالواجب وأشكال التضامن وتكريس الشرعية السياسية للنظام وشرعية الدولة التي أساسها الثقة والالتزام وربط المحاسبة بالمسؤولية.
إلا أنه رغم التعبيرات الكثيرة للديمقراطية من توافقية وتشاركية وليبيرالية واجتماعية وشعبية، إلا أنها تبقى كلها الحُكم الأنسب لتدبير الاختلاف بين النخب وداخل فئات المجتمع. حيث تتمركز كلها حول تكريس قيم حقوق الانسان والكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية:
قيمة التعددية: يقسم عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم في كتابه “تقسيم العمل الاجتماعي” بين المجتمعات التقليدية حيث يسود التضامن الآلي الذي يؤدي الى التشابه في الوظائف والتشابه في الأفكار، وبين التضامن العضوي الذي أدى في المجتمعات الحديثة إلى تقسيم أكثر للعمل وإلى مزيد من الاختلاف والتنوع، حيث غيرت وثيرة التصنيع المتزايدة والابتكارات الكثيرة من بساطة المجتمع الى مجتمع معقد يكثر فيه التخصص والاختلاف بسبب اختلاف المصالح ووفرة الخدمات. إلا أن فشل الاتقال الديمراطي يطرح سؤال
حسب هنتنغنون[1] في كتابه “النظام السياسي لمجتمعات متغيرة” يرى أنه كلما تعقدت المجتمعات وكثر فيها الاختلاف إلا واحتاجت لمؤسسات قوية تنظم هذا الاختلاف وتدبره، وإلا وقعت هزات واختلالات اجتماعية كثيرة وتفككت الدولة. وتبقى الديمقراطية هي الآلية الوحيدة لتنظيم الاختلاف في المجتمعات الحديثة.) سنتحدث في مقالات أخرى عن علاقة الاجتماعي والثقافي بالسياسي في التأسيس لنظام ديمقراطي(.
كما أن تقسيم العمل أدى للتفريق بين العلاقات الشخصية والعلاقات العامة وبين الحريات الفردية والعامة وبين المال العام والمال الخاص، حيث-حسب هنتنغتون- لا يتم في المجتمعات التقليدية التفريق بين المال العام الخاص بالشعوب وبين المال الخاص للحاكم أو السلطان أو شيخ القبيلة. كما تم التفريق في ظل الحداثة بين الفضاءات والمجالات؛ العمل والمنزل والمنزه والعطلة والأسرة النووية والأسرة الممتدة. وتم التفريق بين السياسة والدين والاقتصاد والاجتماع والآداب والفون.
إلا أنه من الناحية الفلسفية تعني التعددية أن الحقيقة تتكون في أكثر من عنصر مستقل أو مبدأ واحد “علي الدين هلال. الانتقال الى الديمقراطية. ع المعرفة. عدد 479”. لهذا لا يجب أن تتمركز السلطة في يد شخص أو مؤسسة واحدة لتحقيق الابتكار والتقدم ويتم الاستفادة من الجميع. كما أن “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”، لهذ حسب مونتسكيو “السلطة تحدها السلطة”.في التقليد الإسلامي أهم ما شغل الحركة الاسلامية هو سؤال “حكم الأغلبية في الإسلام”، ومن يمتلك الحقيقة؛ هل الأقلية أم الأغلبية في ظل النصوص المتعارضة، حيث يوجد نصوص بعضها يمجد الأقلية على أنها القادرة على الثابتة في المواقف والمحن وهي الوحيدة القادرة للوصول للحقيقة، وبين نصوص أخرى ترى أن الصواب مع الأغلبية “الجماعة”، وترى البركة والحضوة مع الكثرة وليس مع الأقلية المارقة. “يمكن الرجوع لما كتبه الفقيه أحمد الريسوني في كتابه حكم الأغلبية”.
لكن البحث عن سؤال الحقيقة ليس من طبيعة الديمقراطية، وقد تجاوزته عامة العلوم الاجتماعية والانسانية الحديثة، حيث انتقلت العلوم من البحث عن الحقيقية الى البحث في الوظيفة والدور الذي يمكن أن تلعبه الديمقراطية، وأن الأساس فيها هو إيقاف القتال والحروب الأهلية وتشريع التداول السلمي للسلطة.
لهذا القبول بالتعددية يعني القبول التنوع والاختلاف والاعتراف بالآخر والعيش الى جانبه بنفس الحقوق ونفس الواجبات، ولا يوجد مواطن من درجة أولى وآخر من درجة ثانية، ولا ووجود_مثلا- لمفهوم الذمي الذي يكرس في الإسلام التفاوتات العرقية والدينية.
والقبول بالتعددية يعني القبول بمبدئ التفاوض وبناء المشترك القومي والإنساني والتعاون والعمل في ائتلافات والقبول بالحلول الوسطية.
قيمة التفاوض: رغم أن التفاوض قيمة شخصية أكثر منها اجتماعية في المجتمعات الحديثة، حيث الأفراد يتعلمون في ظل المجتمع المنفتح قيم التفاوض للحصول على خدمات جديدة ومصالح شخصية، حيث تفرض الفردانية نوعاً من التفاوض المتواصل بين الفرد والمجتمع، حيث يحاول المجتمع ما أمكن أن يتحكم في الفرد ويؤطره ويخضعه لمعاييره التقليدية، بينما يحاول الفرد ما أمكن أن يستقل بنفسه ويحقق ذاته بعيداً عن الأسرة الممتدة والعشيرة والطائفة.
هذا النوع من التفاوض حول القيم يتم في سياق متواصل وبشكل تدريجي دون إحداث أي تفككات اجتماعية، وتسعى نظريات الاندماج الاجتماعي وعلم النفس الاجتماعي أن تتم الاستقلالية دون إحداث التفكك الاجتماعي ودون إحداث أزمة في الهوية الشخصية. إن الأفراد في المجتمعات الحديثة أكثر استقلالية مادياً ومعرفياً لأنهم يخُطون طرقاً جديدة في العيش تختلف عن طرق الآباء والأجداد، مما يخول لهم الاستقلال الثقافي عن الجماعات الأولية، هذه الاستقلالية تؤهلهم للانخراط في مؤسسات عضوية جديدة وتعاقدات تفرضها الحياة السياسية والاجتماعية الجديدة.
تعاقدات مبينيه على أساس ديموقراطي وليس على أساس الولاءات؛ داخل الأحزاب والنقابات والجمعيات المدينة. قيمة التفاوض لدى هؤلاء الفاعلين هي نفسها التي تنتقل للسياسة، حيث مجال الإدراك الواسع والخلفية العلمية الموسوعية في استطاعته احتواء الايديولوجيات الموجودة والاعتراف بها والتعامل معها من دون قيود مسبقة.
في موضوع التفاوض تطرح الديمقراطية الليبيرالية مشكلة القيم، حيث القيم الاجتماعية غير مستقرة بل تخضع دائما للتفاوض، فلا يوجد معايير أخلاقية قارة أو قوالب جاهزة، والمصلحة العامة هي تعبير عن الإرادة العامة لمجموع أفراد المجتمع المعبر عنها في إطار العقد الاجتماعي وليست معطى معياري ديني أو حزبي. يقول دوركايم؛ “المجتمع ليس غير تعبير عن مجموع قيم ومشاعر أعضائه”، حيث صوت الأقلية معبر عنه وله قنواته في التواصل والحوار، لهذا قد تتسلل للمجتمع قيم جديدة يتم الاعتراف بها تحت ضغط التفاوض وتحت حكم الحريات الفردية. فالشرعية مصدرها الأغلبية والأقلية معاً. عكس الديمقراطية الاجتماعية التي تطرح معايير وسقف للقيم تحاول من خلاله الاحتفاظ على القيم الجماعية في حدود معينة؛ قيم دين وثقافة معينة.
تسمح الديمقراطية الليبيرالية بتحقيق مزيد من الحريات الفرية مثل الاعتراف الإجهاض وتقسيم للإرث بالتساوي والاعتراف العلاقات الرضائية، وحرية التعبير والكتابة عن “الرموز الدينية”. بينما تعتبر الديمقراطية الاجتماعية الحريات الفردية والاعتراف بها اعتداءً على الشعور العام للفئات المتدينة والفئات الرافضة عموماً لهذه القيم.
التسامح والتعايش: تقتضي الديمقراطيةاحترام الاخرين واحترام الآراء المخالفة لأنها بالنسبة لمعتنقيها صحيحة ومعقولة. وتضمن لكل فريق أن يعبر عن رأيه بسلمية واحترام في ظل تكافئ الفرص وحرية التعبير المكفولة للجميع، لا يتعلق الموضوع بالوعظ والارشاد أو قول النصيحة والقبول بها، بل يتعلق بالتبادل الدائم والاقناع والتفاوض المستمر.
يؤسس عالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس نظرية متكاملة حول الفضاء العمومي، حيث “أن العقلانية تستلزم نسقاً اجتماعياً ديمقراطياً يشمل الجميع ولا يستبعد أحداً، هدفه ليس الهيمنة بل الوصول إلى التفاهم”، “كريب إيان. النظرية الاجتماعية من بارسونز الى هابرماس. ع المعرفة 244”. وفي حالة اختلاف المتحاورين فإن “الحجة الصائبة” بالنسبة له هي الحجة السياقية التي تعبر عن وضعية المجتمع وواقعه الراهن، وهي غير الحجة المثالية التي تريد الانتقال من المجتمع الحالي الى مجتمع آخر مفارق، بل لابد للحجة أن تراعي تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتواجدة. )سنفصل في الموضوع أكثر في فقرات أخرى (
في سياق معرفي آخر يقدم رائد المدرسة النقدية أكسيل هونيث مفهوم الاعتراف من أجل تحقيق أمثل للديمقراطية؛ فلتحقيق المصالحة الحقيقية مع الأفراد والجماعات لابد من ثلاث مستويات من الاعتراف؛ المستوى الأولى هو الحب، ذلك القوة العاطفية التي تجمع الفرد بالجماعة الأولى الاسرة والعائلة والمدرسة. والمستوى الثاني هو التساوي بين الأفراد داخل المجتمع بحيث تكون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات والاعتراف بهم من طرف الدولة كمواطنين مستقلين أحرار، الذي يضمن ترسيخ قيم المواطنة. والمستوى الثالث هو التقدير الاجتماعي لهذا الفرد مما يجعله فاعلا في الحياة محققاً للتنمية. “حوار مع أكسيل هونيث. مؤمنون بلا حدود”
قيمة العدل: إن كانت النظرية الليبرالية ترى أن العدالة الاجتماعية تقدم الحرية على المساواة وتختصر المساواة في تكافئ الفرص، وتَساوي الفرص في الحصول على الثروة ومراكمتها وتعترف بالملكية الخاصة، حيث الناس مبدئياً مختلفون من حيث المهارات والإمكانات، عكس النظرية الاشتراكي التي تقدم المساواة على الحرية ولا تعرف بالملكية الخاصة؛ فان الديمقراطية الليبرالية تهدف الى توسيع العدالة الاجتماعية، فهي تقر بمبدأ المواطنة القائم على التساوي في الحقوق والواجبة وتسمح للفئات المهمشة والمقصية أن تعبر عن صوتها بنفس المقدار الذي تضمنه لفئات أخرى. كما أن المساوات تتعلق بالتساوي في العرق والدين والنوع، ولا فرق بين الاجناس المختلفة وبين الذكر والأنثى.
كما تضمن التساوي في المشاركة السياسية والولوج لمؤسسات الدولة بنفس القدر، والتساوي في الولوج للمرافق العمومية، حيث هذه الأخيرة ملك للجميع وحق المواطنين وليس حكراً على الفئة البرجوازية أو الفئة المسيطرة على الدولة. كما أن السياسة ليست حكراً على أسر معينة أو مؤسسات دينية أو عرقية بعينها.
قيمة الحرية: تتعلق الحرية بالتعبير الحر عن الفعل والقول دون قيود مع الأخذ بعين الاعتبار عدم المساس بحرية وسلامة الاخرين، وتعني الحق في الاختيار بين كل البدائل المتاحة. فتضمن حق الفاعلين السياسيين والاجتماعيين بالتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم والحوار بشأن القضايا العامة والمساهمة في بناء الرأي العام.
تتصل الحرية بمبدأ فلسفي أعمق يتعلق بقدرة الانسان على الاختيار الرشيد ومقدرته على التمييز بين الخطأ والصواب “في الإجابة عن سؤال ما الشعبية. عزمي بشارة”. وفي قدرته على تقرير مصيره. عكس السابق؛ حيث كانت الرشدية لأهل الحل والعقد أو للإله المفارق أو السلطان المستبد أو الكنسية المتفردة بالتفسير، واعتبر الانسان العامي أو العادي قاصرٌ عن الاختيار وغير مؤهل عقلياً وعلمياً للحسم في قضايا كبرى والمصيرية.
لكن مع عصر النهضة وفلسفة الانوار نُقل هذا الدور الاختياري الى الشعوب كافة وعدم حصره في النخب أو الزعماء. طبعاً يجب التفريق في الديمقراطية التمثيلية بين اختيار الشعب وعمل النخب، حيث تفترض التمثيلية أن يقوم الشعب باختيار النخب، بينما تقوم النخب بالحسم في القضايا الكبرى وفق التوافقات والأولويات والظروف العامة مع مراعاة مصالح الفئة الناخبة، ويتم محاسبة هؤلاء المسؤولين على رأس كل استحقاق سياسي، كما يتم مراقبتهم على الدوام عبر الهيئات والإعلام. وبين الديمقراطية المباشرة التي يحسم من خلالها الشعب في الاختيارات الكبرى المتعلقة بالقيم المشتركة أو تغيير الدستور، أو إسقاط الحكومة عبر العرائض والوسائل السلمية.
كما يختلف منسوب الحرية في الاختيار بين الديمقراطيات العريقة والحديثة وفق مباشرة أو تمثيلية أو تشاركية، حيث الأولى تعطي حرية أكثر بالحسم في القرارات الكبيرة عبر الاستفتاء والتصويت، بينما التمثيلية تختار ابتداءً من الكفاءات ما يمثلها، بينما التشاركية هي إشراك النخب السياسية لفئات أخرى اجتماعية من جمعيات وفعاليات أخرى من أجل توسيع أكثر للقرارات.
كما تثير قيمة الحرية موضوع الأقلية والاغلبية في الاختيار، حيث تقرر الأغلبية ما يجب أن تسير عليه الأقلية. إلا أنه وفق مبادئ الديمقراطية الليبيرالية يتم احترام حقوق الأقليات والاعتراف بهم والسماح لهم بما يملكون من أصوات ووسائل في التعبير عن عقائدهم وأفكارهم. والقوانين والدساتير يجب أن تكتب وتؤول في اتجاه ضمان الحرية للجميع أغلبية وأقلية، ولا يجب استغلال صوت الأغلبية للإجهاض على الأقليات الدينية أو البيولوجية أ والإثنيات العرقية، في هذا الحالة قد تتحول الديمقراطية إلى شعبوية.
في الفقه الإسلامي ينظر للشعب على أنها واحد ينهل من مرجعية واحدة، واختزل الاجتهاد في أربع مذاهب، وفي موضوع العقيدة كانت كل فرقة كلامية تدعي أنها “الناجية”، لهذا المسلمون محكومون فقهياً بالمذاهب القليلة، وسياسياً باجتماع نخبها من أهل الحل والعقد في الجواب على الاختيارات الجديدة. فالناس من هذا المنظور متشابهون وطيبون لهذا يخضعون لرجل واحد يحكمهم. وفي الأحكام السلطانية تم اختيار السلطان المتغلب وفقا لقيمة العدل الالهي، لهذا لا يجوز في حقه سبحانه الظلم. فالحاكم يستمد شرعيته من هذا الإجماع حول قضايا الدين.
أما في فلسفة العقد الاجتماعي فإن الناس مختلفون تماما لأنه مستقلون عن كل المرجعيات ولا يمثلون إلا أنفسهم، ومستقلون عن الأنظمة السماوية لأنه ليس تمت إلا الإنسان، وهو الوحيد المسؤول عن نفسه ومجتمعه، لهذا فالناس مختلفون إلا أنه تجمعهم المصلحة المشتركة، ولتدبير الاختلاف لابد من ميثاق أوَلي يكون ركيزة الأساس لبناء المشترك، على أساسه توضع الدساتير. فكل هذه الأجزاء مختلفة إلا أنه تشكل كلاً واحداً وهو ما يؤكده تقسيم العمل، حيث وان اختلفت الوظائف والرؤى إلا أنها مكملة لبعضها البعض.
[1] هنتنغنون